أحمد ليبوركي الودريمي عـــــضــــو
عدد المساهمات : 13 تاريخ التسجيل : 19/06/2010 العمر : 39
| موضوع: رحلة الخريف من أسرسيف الى كرسيف الجمعة يونيو 25, 2010 1:20 am | |
| رحلة الخريف : من أسْرسيف إلى كْرسيف
حدثني يحيى بن عوف ، قال :قال مجنون بن طيف:وصلــني خبر مرض صديقي رشيد بن مكفوف ، فخرجـت من دوار أسرسيف، متجها نحو مدينة كرسيف ، وكان ذلك في فصل الخريــف ،عام المجاعة ، وتمزيق الجماعة ، ومع ذلك تحليت بالشجاعة ، وحملت معي الزاد والبضاعة . ولما وصلت بني ملال ، استقبلني صديقي كمال ، في مسجد الآمال ،قرب ساحة بني هلال ، فهو إمام المسجد ، وواعظ ومرشد ، وبعد صلاة العشاء ، قلت له :أين العشاء ؟ ، فنادى ابنته حدة ، فقال أين المائدة؟ ، هاتي ما أنت معدة، والتفت إلي وقال: هل تعلم أنني أديب ؟ ، قلت نعم أيها الحبيـب ، قال:سأسمعك إبداعي ، وما جاد به يراعي ، فقلت : هاتي ما عندك ، وأسمعنا صوتك ، فقال : " أنا العقاب أطير ، في الأكوان أدور ، أرى الأراضـي والبحور ، والرمال والصخور ، والقباب على القصور ، والخلائــق على الأرض تسير ، الكبير والصغير ، فلما رأيت ذلك غمرني الحبور ، وأسـرني السرور ، ياليتك ترى الأرض وقت الطفل ، وأنت في زحل ، ترى الثلـوج على القلل ، وترى الراعي والرسل ، ياليتك تسمع تغريد الحجل ، ليذهـب عنك المذل ، وينصرف الوجل ، أنا العقاب المدلل ، أنا الغراب المـرتحل ، نزلت إلى الأرض ، فنزل بي المرض ، وأوهنني المضض ، فارقت الكواكب ، فنزلت بي النوائب ، ووقعت في المتاعب ، حسبي من المصائب ، ياليت لي ما أريد ، أريد أن أطير من جديد ، ليت ذلك يعود ، وقفت أنظر إلى السماء ، وأنا في القارة السمراء ، وبعد هنيهة سمعت النداء ، فانتبهت و قلت من ؟ فردت علي القنن ، قالت :بلادك هذا الوطن ، لقد غبت فترة من الزمن ، أهلا بك يا أبا المحن، فالدنيا دار المحن، والهول والفتن. سكت فقلت : هل انتهيت ؟ قال نعم هل أعجبك ما كتبت ؟ قلـت : أعجبني هذا النثر ، فهو يستحق النشر ، في جريدة أعلام الحبر ، قال : يا أخ الشر ، بل هو شعر موزون ، وكلام محزون ، لشاعر مجنون ، قلت : لله ذرك، نور الله إبداعك ، وأسال مدادك ، وزين تعبيرك وأسلوبك ، إلا أن فيه بعض الأخطاء ، لايراها إلا كبار الأدباء ، وفطاحلة الشعراء ، فانزعـــــج واستشاط، وقال : انصرف اذهب إلى الرباط ، لدى صديقنا علي بن مرماط، فأنا سأذهب إلى مكتبة ابن منظور ، في مدينة الناظور ، لأصحـــح هذه الأخطاء ، قلت : من فضلك أمهلني حتى آكل العشاء ، قال : اذهـب إلى مقهى الشواء ، في شارع أبي العلاء ، فخرجت في ليلة ظلماء ، لاقمر فيـها ولا ضياء . ولما وصلت الرباط ، دخلت إلى مقهى الصراط ، وكنت جائعـا فأكلت بإفراط ، وهاتفت صديقي ابن مرماط ، وهو ضابط الضباط ، فجــاء إلى القمرة ، وصاحبني إلى المجزرة ، وبعدها إلى المقبرة ، وقال : هؤلاء الــذين ذبحوا ، هم رجال نجحوا ، في المباريات وصاحوا ، أرادوا المناصب ، والزيادة في الراتب ، وأكثروا من المطالب ، هم يبحثون عن المصائب ، فضربنــاهم بالقواضب ، ونهشناهم بالمخالب ، ليكونوا عبرة للتلميذ والطالب ، لما وصلنا الدار ، دخلنا وأوقد النار ، وجلسنا فوق الأحجار ، كأننا في الغار ، وقال : هذا البيت للجار ، كان يتخذه مأوى للأبقار، اكتريته عنده ، وسكنت فيه مدة ، يأويني في رخاء وشدة ، فهو أحسن من داري في البلدة ، وكانت تحبه الجدة ، الآن سأنصرف ، سأذهب إلى بيت الضابط منصف، فذهب إلى بيت منصف، وترك قلبي بالهم والحزن ينزف ، ثم لذت بالفرار ، واتجهت نحو محطة القطار. ولما وصلت تازة ، ونزلت عند صديقي ابن مفازة ، مرت بنا جنازة ، وقال ابن مفازة ، هذا الذي حمل على النعش ، كان ميسور العيش ، له محلبة ودكان ، وعمارة وفدان ، وأشجار الزيتون والهرجان ، وخمسة أبناء وثلاثة إخوان ، قد مات الآن ، وهو تحت الأرض بلا كسوة ، وعائلته سترث هذه الثروة ، لا حول له ولاقوة ، إنه كان لا يتصدق ، وكان إلى المسجد أسبق ، عند بزوغ الفلق ، وعند ظهور الشفق ، كل ذلك نفاق وتملق ، هذا الدهـر غريب ، البارحة كان عند الطبيب ، وزار صديقه الحبيب ، ورأيته في سـوق التمر والزبيب ، فقلت هذا الأمر عجيب ، هاهو الآن ضيف اللحود ، يأكله الدود ، هذا ما كان منه يحيد ، لكن الموت يأتي بغتة ، ويجعل الأحياء ميتة ، فصرخ ابن مفازة : أنا من عائلة صاحب الجنازة ، واليوم لدي إجـــازة ، سأذهب لاقتسام الثروة ، وبعدها إلى العمرة ، فقلت مستغربا : كيــف ؟ وقال : اخرج أيها الضيف ، وإلا أخرجتك بعنف ، فأخرج من الغمـــد السيف ، وأخذني الرعب والخوف ، فا نصرفت وقال :سلم على ابن مخلوف، إذا وصلت كرسيف ، وكانت الشمس حارة ، فوقفت قرب العمــارة ، استوقف السيارات المارة ، فوقفت سيارة ، وركبت فيها أطوي الطــريق ، قاصدا كرسيف حيث يقيم الصديق . ولما وصلت كرسيف ، طرقت باب بيت صديقي ابن مخلوف ، فخرج إلي شيخ نحيف ، قال : ماذا تريد ، قلت : صديقي رشيد ، قال:مات هذه السنة، فهو الآن في أهوال ومحنة ، أو في نعيم الجنة ، فقلت : وداعا أيها الشيــخ النحيف ، ما طاب المقام هنا بعـــد موت ابن مخــلوف ، سأرجــع إلى أسرسيف ... وداعا يا كرسيف .
أحمد ليبور كي الودريمي | |
|